التعليم عن بعد .. نافذة نحو المستقبل

التعليم عن بعد  - Distance  Education

أصبحت أغلب المجتمعات مؤخرا تعتمد أسلوبا جديدا في التدريس، إذ يعدّ التعليم عن بعد نموذجا يسيرًا لتلقي المعلومة والمناهج التّعليمية دون التحاق التلميذ بالمرافق التعليمية والتفاعل مع المعلّم في وقت محدّد. ومع انتشار الوسائل الالكترونية  أصبحت الدراسة عن بعد محلّ اهتمام عند الكثير من  الأفراد تلاميذًا وأولياءً  لِما فيها من خاصيات ذات أثر إيجابيّ ساهمت في انتشاره على نطاق أوسع في المجتمع.

فما هي مميزات وتحديات التعليم عن بعد  ؟ وما هي النظرة المستقبلية للدّراسة عن بعد  ؟

1-بداية الدّراسة عن بعد

2-مميزات  التعليم عن بعد

3-تحديات التّعليم الإلكتروني

4-مستقبل التّعليم عن بعد 

 بداية الدّراسة عن بعد

ساهمت ثورة التكنولوجيات الرّقمية في تعزيز رغبة التّعلم واستدراك بعض النقائص على مرّ التاريخ، فكانت أول  تجربة للتعليم عن بعد سنة  1728 حيث وقع الإعلان عن إمكانية  تلقي الدّروس عبر البريد في صحيفة  بوسطن جازيت للمدرّس ليتمّ إنشاء جمعية تشجيع الدّراسات في المنازل سنة 1873 والتي تعتبر أول مدرسة مراسلة في الولايات المتحدّة الأمريكية.ومع بدايات القرن العشرين انطلق استخدام الوسائل السمعية كالراديو لبث الدورات التعليمية ،حتى عام 1934 اتّخذ التعليم عن بعد منهجا آخر من خلال بثّه على قنوات تلفزيونية إلى أن نشأت ثورة الرّقمنة  لتجعل التعليم عن بعد أيسر باستخدام الحاسوب. تصاعد بعدها الاهتمام  بهذا المنهج من التعليم ومع ظهور الانترنت بات بإمكان جميع الفئات تلقي أجود وأفضل تكوين..

   ولكنّ الكثير منّا لا يمكنهم التّفرقة بين مفهوم الدّراسة عبر الانترنت والتّعليم عن بعد ، فالدّراسة عبر الانترنت من أسس التّعليم عن بعد مع إمكانيّة تواجد التلميذ في الصفوف الدّراسية، وبينما التّعليم عن بعد يلغي تواجد التلميذ في المرافق التّعليمية بل يقتصر على إيصال المعلومة لأماكن مختلفة من العالم.

أنواع التعليم عن بعد 

إنّ التّعليم عن بعد هو مبدأ تعليميّ يتمّ بواسطة أدوات مختلفة وطرق متعدّدة وله أنواع أهمّها:

 التعليم  المتزامن live session :

هذا النوع من التّعليم  يقوم على تواجد التلميذ والمعلّم ضمن حلقات دراسية إلكترونية ، مكالمات زووم.
ممّا يتيح للتلميذ التّفاعل في الوقت ذاته وضمن برنامج محدّد وبالتالي مساعدته في إدارة الوقت.

التعليم غير المتزامن offline session :

تكون فيه الدروس مسجّلة لا تستوجب حضورا ملزما للتلميذ  أمام شاشة الحاسوب في وقت معيّن وهذا النوع  يساعد كثيرا من يقوم بمزاولة أنشطة أخرى إضافية إلى جانب الدّراسة.

النّظام المختلط
هذا المنهج من التّدريس يجمع بين الأسلوبين المتزامن وغير المتزامن حيث يدخل التّلاميذ للموقع ويبدأوون في انجاز واجباتهم قبل موعد الحصّة المباشرة.

مميزات التعليم عن بعد :

إنّ مجرّد التّفكير في بروز ظاهرة التّعليم عن بعد في الآونة الأخيرة وانتشاره داخل المجتمع يثير التساؤل عن السبب و عن أهمّ ميزاتها لاسيما وأنّ التلميذ أصبح يعتمده  في مواصلة مسيرته الدّراسية و من أهمّها :

·إمكانية مزاولة التّعليم لكلّ الفئات العمرية  وقتما يشاء و أينما يشاء من خلال استعمال الحاسوب أو الهاتف الذكي  دون الحاجة للتّنقل وإهدار الوقت للالتحاق بالمرافق التّعليمية،و كذلك الحال بالنّسبة لذوي الاحتياجات الخاصة أصبح تلقيهم للمعلومة أيسر وهذا طبعا عبر المسارات المختلفة التّي ذكرناها سابقا إما بطريقة التّعليم المتزامن أو غير المتزامن أو المختلط التّي ذكرناها سابقا ومن هذه المميّزات:

- توفير المال حيث يعتبر أسلوب الدّراسة عن بعد أقلّ تكلفة إذ أنّه يلغي رسوم التّنقّل ومصاريف الدّراسة

- استثمار القدرات التقنية للتلميذ في مجالات ثقافية تعليمية ومساعدته على تطوير مهاراته التكنولوجية.

- يتيح التّعليم عن بعد الفرصة للتلميذ لإدارة وقته و انضباطه وتحمّله المسؤولية.

- بعض المواقع توفّر الفرصة للأولياء لمراقبة أنشطة أبنائهم والاطمئنان على دراستهم وتقديم الدّعم لهم.

-  تمكين المعلّم  من تقييم أداء التلميذ بكل سهولة.

- إتاحة فرص عمل جديدة للمعلّمين الأكفاء .

تحديات التّعليم الالكتروني :

نتيجة تفاوت وعي التلاميذ و إدراكهم قد يواجه البعض منهم تحديات في الدّراسة عن بعد تمكّنه من صقل قدراته التّقنية والإعلامية وإكسابه الخبرة في التّعامل معها في حال تعرّضه لها مجددا ومن أهمها :

·قلّة التّفاعل الجماعي بين التلاميذ ولذلك تمّ توفير المنتديات كفرصة لتلاقي التلاميذ وتبادل الأفكار رقميا.

·يعتري انجاز الاختبارات أحيانا بعض التشكيك في مصداقيّة التّلميذ والأفضل هنا فرض وقت محدّد للقيام بها.

·نقص في التّطبيق العملي والاكتفاء بالنظريات وهنا دور التّلميذ للتفاعل مع أسئلة الأستاذ خلال تطبيقات الحصّة المباشرة والاستفسار عمّا وجد فيه صعوبة خلال الإنجاز.

· عدم القدرة على استشراف هوايات وإمكانات التلميذ وتلقيه الدّعم المناسب وبالتالي  وجوب إتاحة اختبارات في كل المجالات ( تربية المهارات).

·مسؤولية ذاتية أكبر على التلميذ لوجوب حضوره وفق برنامج محدّد فما عليه إلا جدولة وقته حسب أهمّيتها.

· مشكل  في سرعة الاتصال بالانترنت  في بعض المناطق وفي هذه الحالات يلجأ التلميذ للتّعليم عن بعد الغير المتزامن .

·تعاظم مسؤولية الأولياء في توفير المكان والظروف الملائمة  وتقديم الدعم للأبناء خاصة في المراحل الأولى.

·التغيير المفاجئ للمناهج الدّراسية تجبر بعض المواقع على تحيين برامجها المسجّلة في أسرع وقت ممكن ليكون المتعلّم قادرا على مواكبة تعلّمه خطوة بخطوة.
وبالرّغم من كلّ هذه العقبات فإنّ التّعليم الرّقمي أصبح محلّ اهتمام ومقياس يعوّل عليه كحلّ لتجاوز النقائص الدّراسية في بعض الأحيان وبات من المحبّذ الاستناد عليه.

مستقبل التّعليم عن بعد

إنّ التلميذ بعد جائحة كورونا أصبح على يقين بأنّ التّعليم الإلكتروني نظام يعتمد عليه في الأزمات ،وأنّ بعض الدّول المتقدّمة وجدته وسيلة  سهلة للتّدريس  يمكن الاعتماد عليها وما على البلدان النامية إلا الاستفادة من تقنيات العصر للالتحاق بركب الدّراسة عن بعد مواكبته .

يشهد قطاع التّعليم في تونس أزمة و تراجعا  في المنظومة التربوية على مستوى المناهج أثّرت على نتائج المتعلّم خاصة بعد ظاهرة  كورونا فأخذت ثورة التّعليم عن بعد حيّزا كبيرا وأثارت زخما واسعا ، تجلى ذلك في إنشاء منصّات وتطبيقات تعليمية أحدثت نقلة كبيرة مفادها تزكية معارف التلميذ وتنمية مهاراته الذهنية ليستفيد من التعلّم وليستثمر قدراته بشكل صحيح وفعّال ، وجرى بذلك السعي من أجل تحسين الممارسات التّعليمية والارتقاء بجودة التعليم فلم يعد التلميذ يكتفي بالدّروس الخصوصية التّقليدية والدّروس  المطبوعة، بل يتّخذ المنصّات وفيديوهات اليوتيوب التّعليمية سبيلا أفضل للمراجعة دون قيود تعيقه.

رغم وجود صعوبات في الاعتماد على شهادات التّعليم عن بعد من قبل بعض الجامعات والمؤسسات العمومية  إلا أنه صار بالإمكان مؤخرا تعزيز الثقة في شهادات الدراسة عن بعد عند عدد كبير من المؤسّسات.  ومع أخذ هذا النظام  حيزا أوسع حتى وإن لم يتمّ  الاعتماد عليه  كليا في كل الدّول،  ربّما يشهد المجتمع في المستقبل إمكانية الاعتماد على خبرة الأفراد و قدرتهم على التّعلم و التّعليم عن بعد في مختلف المجالات فقط دون التطرّق لاعتماد الشهادات

مما لا شك فيه أن التساؤل عن مصير المؤسسات التّعليمية والصفوف التّقليدية أصبح أمرا متداولا ويكثر تناقله بين الخبراء  بعد الاعتماد على نظم التّعليم عن بعد، خاصة وأن النظرة الاستشرافية للتّعليم  أساسها الدّراسة عبر الانترنت ويتجلى ذلك أيضا في بروز جامعات التّعليم عن بعد منها  8 جامعات في الوطن العربي.

كلّ ما هو متاح الآن لم يكن متواجدا في الماضي ولن يكون على هذا الحال في المستقبل.الوقت يمر والتكنولوجيا تتطوّر وكل شخص سيصبح بإمكانه استخدام قدراته الفكرية والتقنية في تطوير مهاراته والتّعلم و التعليم.